كأنه لم يكف ايران ما فعلته في دول المشرق العربي, وما ألحقته بشعوبها من أذى, وتهديدها لأمنها واستقرارها, فأرادت ان تلحق "بركاتها" دول المغرب العربي ايضا, ولم يعد سرا على احد محاولات "تصدير" المذهب الشيعي - وبالمنظور الفارسي له - الى الجزائر والمغرب بشكل خاص, الى الحد الذي دفع بعض العلماء لأن يرفعوا عقيرتهم بالشكوى من صنيع طهران, وما يجلبه من دمار وتخريب لتلك الدول الآمنة المستقرة, والتي لم تعرف يوما أية صراعات مذهبية أو طائفية.وحسنا فعل جلالة الملك محمد السادس بقطع العلاقات الديبلوماسية مع ايران, فقد "علق الجرس" الذي طال انتظار الكثيرين لمن يجرؤ على "تعليقه"... إيران تعتبر المغرب وعاصمته الرباط هو "البوابة الذهبية" للعبور الى الشمال العربي الافريقي, بل وتعتبرها ايضا "البوابة الأهم" الى افريقيا السوداء, والتي من خلالها يمكنها العبور الى هناك وتصدير "الثورة الخمينية", مع تراثها الطائفي.لم تدرك ايران ان المغرب وملكها الشاب لا يمكن شراؤهما بالمال, مثلما اشترت أنظمة في شرقنا العربي, وشرعت لها تلك الانظمة الابواب لتسويق مذهبها بالمال أولا, ثم بالمال والاغتيالات وبتكدير صفو الجبهات الداخلية لهذه البلدان, والاستعانة بالأعوان الذين اصبح ولاؤهم لقم وايرانها, وليس لأوطانهم... ولنا في جنوب لبنان عبرة, ولنا في حسن نصر الله ما يؤكدمخاوفنا.لقد وضع الملك محمد السادس إصبعه على الجرح, وسيعرف - ان لم يكن قد عرف بالفعل - أن حالة التوتر الداخلي وحركات الارهاب التي تقع احيانا في أرض المغرب النقي, هي حالات تشابك او "تضامن" بين أجندات التقت مصالحها مع بعضها البعض, وان اختلفت في مذاهبها, لكن هدفها في النهاية واحد.ما فعله ملك المغرب ربما فاجأ البعض, لقوته ولكونه جاء ردا صاعقا لم يحاول إمساك العصا من المنتصف, ومهادنة من لا تنفع معه المهادنة, لكنه لم يفاجئ عقلاء السياسة في العالم العربي, لمعرفتهم بأن أرض المغرب وطبيعته البشرية والمكانية هما بمنزلة "ساتر دفاعي واقٍ", ضد الذين توهموا ان هذه البوابة الذهبية الافريقية يمكن - بالمال "الطاهر", كما يسمونه, وببعض الشغب - ان تكون معبرا اذا تمكنوا منها وملكوا زمامها, فإن ذلك معناه تطويق عرب الشرق الاوسط, ذي الاغلبية السنية التي ترى ان الحوار بين المذاهب الاسلامية هو الطريق الصحيح للالتقاء على كلمة سواء, وان محاولة فرض مذهب على حساب مذهب آخر, هو أمر لا تقره الفطرة السليمة والعقول المستنيرة, كما أنه يهدد مبدأ التسامح الذي عرف به المسلمون طوال تاريخهم, فالمذهب المالكي - مثلا - انتشر في دول شمال افريقيا طواعية ومن دون إكراه أحد على اتباعه. كل ما في الامر ان أهل هذه المناطق اقتنعوا به, ورأوا كثيرا من كبار علمائهم وشيوخهم يتبعونه, والامر نفسه حدث مع المذهب الحنفي في مصر, والحنبلي في السعودية وبعض دول الخليج الاخرى, والاباضي في سلطنة عمان, مع الاعتراف بما للمذاهب الاخرى من أهمية وقيمة, فكلنا في النهاية مسلمون, إلهنا واحد ونبينا واحد وكذلك كتابنا وقبلتنا... ومحاولة دس الفتنة بين أتباع المذاهب المختلفة باءت بالفشل على مدى القرون.عرب الشرق الأوسط, بل ومسلمو العالم ذوي الغالبية السنية, يثمنون للملك محمد السادس - اذن - ما فعل, فهؤلاء لا يجدي معهم طيب الكلام - وأهل الخليج أدرى بشعاب هؤلاء القوم - ويكفينا احتلالهم لجزر الامارات الثلاث, وتهديدهم لمملكة البحرين, ويكفينا الكثير مما يفعلونه في العراق, وفي لبنان, وفلسطين, وهي أفعال الغاية منها تحفيز وتكريس التشتت والتشرذم العربي والاسلامي.
|