دعوة لنقد الذات لا أكثر لقرون ظلت عبارة شيعي مرادفة للنبذ والإلغاء لعوامل عديدة، يأتي العامل السياسي على رأسها، ومن ثم بنيت عليها ثقافة تعددت وجوهها وكثرت وتباينت وسائل ايصالها الى عامة الناس. ورغم ذلك استطاع العقل الشيعي التعايش معها (يتعايش معها من دون القبول بها)، لأنه لم يكن هناك خيار آخر غير ان يتعايش معها، ولكن يبدو أن هناك من صار يستمرئ المظلومية ولا يجد لنفسه واقعا غير ان يكون مظلوما، حتى مع تغير الظروف والمناخات السياسية والثقافية والاقتصادية، ودخولنا في حقبة ثورة الاتصالات وثقافة حقوق الإنسان وحق الآخر في التعبير عن الرأي نظريا على الأقل ان لم يكن واقعا، لست ازعم ان المطالب الشيعية (التي في جلها عادلة ومقبولة) قد تحققت كلها، ولكن من غير المقبول التعاطي مع هذه المطالب بالوسائل نفسها والعقلية والثقافة اللتين كانتا مسيطرتين على الجميع في الماضي، ليس المطلوب التنازل عما هو حق، سواء سياسيا أو ثقافيا، ولكن القفز على الواقع الاجتماعي والثقافي والجغرافي لا يخدم قضية ولا يرجع حقا، ولأكون أكثر وضوحا، ما قد يكون مقبولا في قم قد لا يكون مقبولا في كربلاء، وما هو طبيعي في النجف قد لا يكون منطقيا في لبنان. ليس لأن هذه أو تلك الممارسة خطأ في حد ذاتها ولكن مراعاة ما هو مقبول في مكان ما مقابل ما هو غير مقبول (وربما مرفوض) في مكان آخر أمر لا يختلف عليه أهل العقل، خصوصا عندما يعود الامر إلى الممارسات الدينية أو الثقافية، وهذا ينسحب على الوضع في الكويت مقارنة ببلد آخر مثل العراق أو البحرين. فحتى مع التقارب في العادات والتقاليد الاجتماعية تبقى هناك فروق مهمة لا يجوز القفز عليها أو تجاهلها، والأمر الاكثر خطورة هو التمترس وراء المظلومية في التجاوز على ما يحترمه الآخر واستفزازه في مقدساته لأنه يعتبر دعوة مفتوحة للاختراق المتبادل والدخول في دوامة الشد والشد المقابل، ومحصلته اصطفاف طائفي لا يستطيع العقلاء عمل اي شيء بصدده، وبالتالي حرمان من يتعاطف مع مطالبك (وهم الكثرة) من وسيلة الدفاع عن حقوقك. والأسوأ أنك اعطيت القلة التي ترفضك وسيلة هي في ضد مصلحتك. يقول الإمام الصادق (ع) «اعرفوا العقل وجنده، والجهل وجنده، تهتدوا». وبالتالي لست ادعو للتنازل عن أي معتقد من أي جهة كانت، ولا ادعو إلى مسح التاريخ والتنكر لحوادثه، ولكن ادعو إلى ما يسمى بفقه الأولويات، أي ترشيد المطالبة بالحقوق وطرح الأفكار وتقديم الأولويات ومراعاة الآخر في مشاعره لكي يراعيك في مشاعرك، واحترام الآخر في مقدساته لكي يحترم هو بدوره مقدساتك، وتبقى مسألة رسم الخط الفارق بين ما يجوز وما لا يجوز تركه متروكة للفقهاء الواعين من جهة وما يسمى بالفهم الواعي للوضع common sense من جهة أخرى. ومن المؤكد أن مجال الطرح الفكري والثقافي للمذهب الشيعي أكبر وأوسع دائرة من ان يحصر في حدث أو اثنين. من المؤكد ان تكرار طرحهم سوف يشغلنا عن الكثير من الطروحات البناءة والمفيدة للفرد والمجتمع ككل، ودعك من القلة غير المتفهمة، وليكن التركيز على الأغلبية العقلانية المنصفة الواعية، ولأن العقلاء هم الاغلبية في كل مجتمع فاعتمد عليهم، إنها دعوة لنقد الذات لا أكثر. د. عبدالنبي العطارabdul_2345@yahoo.com
دعوة لنقد الذات لا أكثر
لقرون ظلت عبارة شيعي مرادفة للنبذ والإلغاء لعوامل عديدة، يأتي العامل السياسي على رأسها، ومن ثم بنيت عليها ثقافة تعددت وجوهها وكثرت وتباينت وسائل ايصالها الى عامة الناس. ورغم ذلك استطاع العقل الشيعي التعايش معها (يتعايش معها من دون القبول بها)، لأنه لم يكن هناك خيار آخر غير ان يتعايش معها، ولكن يبدو أن هناك من صار يستمرئ المظلومية ولا يجد لنفسه واقعا غير ان يكون مظلوما، حتى مع تغير الظروف والمناخات السياسية والثقافية والاقتصادية، ودخولنا في حقبة ثورة الاتصالات وثقافة حقوق الإنسان وحق الآخر في التعبير عن الرأي نظريا على الأقل ان لم يكن واقعا، لست ازعم ان المطالب الشيعية (التي في جلها عادلة ومقبولة) قد تحققت كلها، ولكن من غير المقبول التعاطي مع هذه المطالب بالوسائل نفسها والعقلية والثقافة اللتين كانتا مسيطرتين على الجميع في الماضي، ليس المطلوب التنازل عما هو حق، سواء سياسيا أو ثقافيا، ولكن القفز على الواقع الاجتماعي والثقافي والجغرافي لا يخدم قضية ولا يرجع حقا، ولأكون أكثر وضوحا، ما قد يكون مقبولا في قم قد لا يكون مقبولا في كربلاء، وما هو طبيعي في النجف قد لا يكون منطقيا في لبنان. ليس لأن هذه أو تلك الممارسة خطأ في حد ذاتها ولكن مراعاة ما هو مقبول في مكان ما مقابل ما هو غير مقبول (وربما مرفوض) في مكان آخر أمر لا يختلف عليه أهل العقل، خصوصا عندما يعود الامر إلى الممارسات الدينية أو الثقافية، وهذا ينسحب على الوضع في الكويت مقارنة ببلد آخر مثل العراق أو البحرين. فحتى مع التقارب في العادات والتقاليد الاجتماعية تبقى هناك فروق مهمة لا يجوز القفز عليها أو تجاهلها، والأمر الاكثر خطورة هو التمترس وراء المظلومية في التجاوز على ما يحترمه الآخر واستفزازه في مقدساته لأنه يعتبر دعوة مفتوحة للاختراق المتبادل والدخول في دوامة الشد والشد المقابل، ومحصلته اصطفاف طائفي لا يستطيع العقلاء عمل اي شيء بصدده، وبالتالي حرمان من يتعاطف مع مطالبك (وهم الكثرة) من وسيلة الدفاع عن حقوقك. والأسوأ أنك اعطيت القلة التي ترفضك وسيلة هي في ضد مصلحتك. يقول الإمام الصادق (ع) «اعرفوا العقل وجنده، والجهل وجنده، تهتدوا». وبالتالي لست ادعو للتنازل عن أي معتقد من أي جهة كانت، ولا ادعو إلى مسح التاريخ والتنكر لحوادثه، ولكن ادعو إلى ما يسمى بفقه الأولويات، أي ترشيد المطالبة بالحقوق وطرح الأفكار وتقديم الأولويات ومراعاة الآخر في مشاعره لكي يراعيك في مشاعرك، واحترام الآخر في مقدساته لكي يحترم هو بدوره مقدساتك، وتبقى مسألة رسم الخط الفارق بين ما يجوز وما لا يجوز تركه متروكة للفقهاء الواعين من جهة وما يسمى بالفهم الواعي للوضع common sense من جهة أخرى. ومن المؤكد أن مجال الطرح الفكري والثقافي للمذهب الشيعي أكبر وأوسع دائرة من ان يحصر في حدث أو اثنين. من المؤكد ان تكرار طرحهم سوف يشغلنا عن الكثير من الطروحات البناءة والمفيدة للفرد والمجتمع ككل، ودعك من القلة غير المتفهمة، وليكن التركيز على الأغلبية العقلانية المنصفة الواعية، ولأن العقلاء هم الاغلبية في كل مجتمع فاعتمد عليهم، إنها دعوة لنقد الذات لا أكثر.
د. عبدالنبي العطار